6- باب التقوى
التقويم اسم مأخوذ من الوقاية، وهو إن يتخذ الإنسان ما يقيه من عذاب الله. والذي يقيك من عذاب الله هو فعل أوامر الله عز وجل، إن تأخذ أوامر الله وان تترك ما نهي عنه. واعلم إن التقوى أحيانا تقترن بالبر، فيقال بر وتقوي كما في قوله تعالى ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى )(المائدة: من الآية2). وتارة تذكر وحدها، فإذا قرنت بالبر صار البر فعل الأوامر واجتناب النواهي. وإذا أفردت صارت شاملة، تعم فعل الأوامر واجتناب النواهي، وقد ذكر الله_ تعالى_ في كتابه إن الجنة أعدت للمتقين، فأهل التقوى هم أهل الجنة_ جعلنا الله منهم_ ولذلك يجب علي الإنسان إن يتقي الله عز وجل، امتثالا لأمره وطلبا لثوابه والنجاة من عقابه. ثم ذكر المؤلف آيات متعددة فقال رحمه الله: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ )(آل عمران: من الآية102). وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(التغابن: من الآية16)، وهذه الآية مبينة للمراد من الأولى. وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)(الأحزاب:70)، والآيات في الأمر بالتقوى كثيرة معلومة، وقال تعالى: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)(2) (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)(الطلاق: من الآية3،2)، وقال تعالى: (إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(لأنفال: من الآية29)،والآيات في الباب كثيرة ومعلومة. الشرح قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) فوجه الأمر إلى المؤمنين، إلى المؤمنين، لا المؤمن يحمله إيمانه علي تقوي الله. وقوله: ( اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) وحق التقوى مفسرا بما عقبه المؤلف من قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) بعد هذه الآية أي : إن معني قوله: ( حَقَّ تُقَاتِهِ) إن تتقي الله ما استطعت، لان الله لا يكلف نفسا إلا وسعها. وهذه الآية: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ليست آية يقصد بها التهاون بتقوى الله، ونما يقصد بها الحث علي التقوى بقدر المستطاع، أي: لا تدخر و سعى في تقوي الله ، ولك الله لا يكلف الإنسان شيئا لا يستطيعه، كما قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)(البقرة: من الآية286)، ويستفاد من قوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) إن الإنسان إذا لم يستطع القيام بأمر الله علي وجه الكمال، فانه يأتي منه بما قدر عليه، ومن ذلك قول النبي صلي الله عليه وسلم لعمران بن حصين: ((صل قائما فان لم تستطع فقاعدا، فان لم تستطع فعلي جنب))([1])، فرتب النبي صلي الله عليه وسلم الصلاة بحسب الاستطاعة، وبان يصلي قائما، فان لم يستطع فقاعدا، فان لم يستطع فعلي جنب، وهكذا أيضا بقية الأوامر، ومثله الصوم، إذا لم يستطع الإنسان إن يصوم في رمضان، فانه يؤخره ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )(البقرة: من الآية185)، وفي الحج أيضا: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )(آل عمران: من الآية97) فإذا لم تستطع الوصول إلى البيت فلا حج عليك، لكن إن كنت قادرا بمالك دون بدنك، وجب عليك إن تقيم من يحج ويعتمر عنك، والحاصل إن التقوى كغيرها منوطة بالاستطاعة، فمن لم يستطع شيئا من أوامر الله فانه يعدل علي ما يستطيع، ومن اضطر إلى شئ من محارم الله، حل له ما ينتفع به في دفع الضرورة، لقوله تعالى: ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )(الأنعام: من الآية119)، حتى إن الرجل لو اضطر إلى أكل لحم الميتة، أو أكل لحم الخنزير، أو أكل لحم الحمار، أو غير ذلك من المحرمات، فانه يجوز له إن يأكل منه ما تندفع به ضرورته، فهذه هي تقوي الله! إن تفعل أوامر ما استطعت وتجنب نواهيه ما استطعت. وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) فأمر الله تعالى بأمرين، بتقوى الله،وان يقول الإنسان قولا سديدا، أي صوابا. وقد سبق الكلام علي التقوى، وإنها فعل أوامر الله واجتناب نواهيه. أما القول السديد، فهو قول الصواب وهو يشمل كل قول فيه خير سواء كان من ذكر الله، أو من طلب العلم، أو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو من الكلام الحسن الذي يستجلب به الإنسان مودة الناس ومحبتهم، أو غير ذلك، ويجمعه قول النبي صلي الله عليه وسلم: (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت))([2]،) وضد ذلك القول غير السديد، وهو القول الذي ليس بصواب، بل خطا أما في موضوعه وأما في محله: أما في موضوعه: بان يكون كلاما فاحشا يشتمل علي السب، والشتم، والغيبة، والنميمة، وما أشبه ذلك. أو في محله: أي إن يكون هذا القول في نفسه هو خير، لكن كونه يقال في هذا المكان ليس بخير، لان لكل مقام مقالا، فإذا قلت كلاما هو في نفسه ليس بشر، لكنه يسبب شرا إذا قلته في هذا المحل فلا تقله، لان هذا ليس بقول سديد، ففي هذا الموضوع لا يكون قولا سديد، بل خطا، وان كان ليس حراما بذاته. فمثلا، لو فرض إن شخصا راء إنسانا علي منكر، ونهاه عن المنكر، لكن نهاه في حال لا ينبغي إن يقول له فيها شيئا، أو اغلظ له في القول، أو ما أشبه، لعد هذا قولا غير سديد. فإذا اتقي الإنسان ربه، وقال قولا سديدا، حصل علي فائدتين: (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )(الأحزاب: من الآية71) فبالتقوى صلاح الإيمان ومغفرة الذنوب، وبالقول السديد صلاح الأعمال ومغفرة الذنوب. وعلم من هذه الآية إن من لم يتق الله ويقل قولا سديدا، فانه حري بان لا يصلح الله له أعماله، ولا يغفر له ذنبه، ففيه الحث علي تقوي الله وبيان فوائدها. وقال تعالى_ وهي الآية الرابعة_: )( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)(2) (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) يتق الله بفعل ما أمر به، ويترك ما نهي عنه. يجعل له مخرجا من كل ضيق، فكلما ضاق عليه الشيء وهو متق لله_ عز وجل_ جعل له مخرجا، سواء كان في معيشة، أو في أموال، أو في أولاد، أو في مجتمع، أو غير ذلك. متي كنت متقيا الله فثق إن الله سيجعل لك مخرجا من كل ضيق ، واعتمد ذلك، لأنه قول من يقول للشيء كن فيكون ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) وما اكثر الذين اتقوا الله فجعل لهم مخرجا، ومن ذلك قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، فنزلت صخرة علي باب الغار فسدته، فأرادوا إن يزيحوها فعجزوا، فتوسل كل واحد منهم بصالح عمله إلى الله عز وجل، ففرج الله عز وجل عنهم وزالت الصخرة([3] )وجعل الله لهم مخرجا، والأمثلة علي هذا كثيرة! وقوله(وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)هذا أيضا فائدة عظيمة، إن الله يرزقك من حيث لا تحتسب، فمثلا لو فرضنا أن رجلا يكتسب المال من طريق محرم، كطريق الغش أو الربا أو ما أشبه ذلك، ونصح في هذا وتركه لله، فان الله سيجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ولكن لا تتعجل، ولا تظن إن الأمر إذا تأخر فلن يكون، ولكن قد يبتلي الله العبد فيؤخر عنه الثواب، ليختبره هل يرجع إلى الذنب أم لا، فمثلا إذا كنت تتعامل بالربا، ووعظك من يعظك من الناس، وتركت ذلك، ولكنك بقيت شهرا أو شهريا وجددت ربحا، فلا تياس، ولا تقل أين الرزق من حيث لا احتسب، بل انتظر، وسق بوعد الله وسق به، وستجده، ولا تتعجل، ولهذا جاء في الحديث: (( يستجاب لأحدكم_ أي إذا دعا_ ما لم يعجل، قالوا: كيف يعجل يا رسول الله؟ قال: يقول دعوت فلم يستجب لي))([4])، فاصبر، واترك ما حرم الله عليك، وانتظر الفرج والرزق من حيث لا تحتسب. الآية الخامسة قوله تعالى: ( إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(لأنفال: من الآية29)، هذه ثلاث فوائد عظيمة: الفائدة الأولى: (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً ) أي يجعل لكم ما تفرقون به بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، وهذا يدخل فيه العلم، بحيث يفتح الله علي الإنسان من العلوم ما لغا يفتحها لغيره، فان التقوى يحصل بها زيادة الهدي، وزيادة العلم ، وزيادة الحظ، ولهذا يذكر عن الشافعي رحمه الله تعالى: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بان العلم نور ونور الله لا يؤتيه عاصي ولا شك إن الإنسان كلما اذداد علما، ازداد معرفة، وازداد فرقانا بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، وكذلك يخل فيه ما يفتح الله علي الإنسان من الفهم، لان التقوى سبب لقوة الفهم يحصل بها زيادة العلم، فانك تري الرجلين يحفظان آية من كتاب الله، يستطيع أحدهما إن يستخرج منها ثلاث أحكام مثلا، ويستطيع الآخر إن يستخرج أربعة، أو خمسة، أو عشرة، أو اكثر من هذا بحسب ما آتاه من الفهم. فالتقوى سبب لزيادة الفهم، ويدخل في ذلك أيضا الفراسة، إن الله يعطي المتقي فراسة يميز بها حتى بين الناس، فبمجرد ما يري الإنسان يعرف انه كاذب أو صادق، أو انه بر أو فاجر، حتى انه ربما يحكم علي الشخص وهو لم يعاشره ولم يعرف عنه شيئا، بسبب ما أعطاه الله من الفراسة. ويدخل في ذلك أيضا: ما يحصل للمتقين من الكرامات التي لا تحصل لغيرهم، ومن ذلك: ما حصل لكثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، فكان عمر بن الخطاب_ رضي الله عنه_ ذات يوم يخطب علي المنبر في المدينة، فسمعوه يقول في أثناء الخطبة: (( يا سارية الجبل، يا سارية الجبل))([5])، فتعجبوا من يخاطب وكيف يقول هذا الكلام في أثناء الخطبة، فإذا الله_ سبحانه وتعالى_ قد كشف له عن سرية في العراق كان قائدها سلرية بن زنيم، وكان العدو قد حصرهم، فكشف الله لعمر عن هذه السرية ، كأنما يشاهدها راء عين، فقال لقائدها: (( يا سارية الجبل)) أي: تحصن بالجبل، فسمعه سارية وهو القائد، وهو في العراق، ثم اعتصم بالحبل. هذه من التقوى، لان كرامات الأولياء كلها جزاء لهم علي تقواهم لله عز وجل. فالمهم إن من آثار التقوى إن الله_ تعالى_ يجعل للمتقين فرقانا يفرق به بين الحق والباطل، وبين البر والفاجر، وبين أشياء كثيرة لا تحصل إلا للمتقي. الفائدة الثانية: ( وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) وتكفير السيئات يكون بالأعمال الصالحة تكفر الأعمال السيئة كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: (( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر))([6]). وقال النبي صلي الله عليه وسلم: (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما))([7])، فالكفارة تكون بالأعمال الصالحة، وهذا يعني إن الإنسان إذا اتقي الله سهل له الأعمال الصالحة التي يكفر الله بها عنه. الفائدة الثالثة: قوله( وَيَغْفِرْ لَكُمْ) بان يسركم للاستغفار والتوبة، فان هذا من نعمة الله علي العبد إن ييسره للاستغفار والتوبة. ومن البلاء للعبد، إن يظن إن ما كان عليه من الذنوب ليس بذنب، فيصر عليه والعياذ بالله، كما قال الله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً)(103) (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(الكهف:104،103)، فكثي من الناس لا يقلع عن الذنب، لأنه زين له_ والعياذ بالله_ فألفه وصعب عليه إن ينتشل نفسه منه، لكن إذا كان متقيا لله_ عز وجل_ سهل الله له الإقلاع عن الذنوب حتى يغفر له، وربما يغفر الله له بسبب تقواه، فتكون تقواه مكفرة لسيئاته، كما حصل لأهل بدر رضي الله عنهم، (( فان الله اطلع علي أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))([8])، فتقع الذنوب منهم مغفورة لما حصل لهم فيها، أي في الغزوة من الأجر العظيم. وقوله: ( وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(لأنفال: من الآية29)، أي: صاحب الفضل العظيم الذي لا يعدله شئ ولا يواذيه شئ، فإذا كان الله موصوفا بهذه الصفة، فاطلب الفضل منه سبحانه وتعالى، وذلك بنقواه والرجوع إليه. والله اعلم. 69_ وأما الأحاديث فالأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، من اكرم الناس، قال: (( اتقاهم)) فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: (( فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله)) قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال (( فعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا))([9]). متفق عليه. و (( فقهوا)) بضم القاف علي المشهور، وحكي كسرها، أي: اعلموا أحكام الشرع. الشرح قوله: من كرم الناس؟ قال: (( اتقاهم))يعني إن اكرم الناس اتقاهم لله عز وجل وهذا الجواب مطابق تماما لقوله تعالى: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(الحجرات: من الآية13)، فالله_ سبحانه وتعالى_ لا ينظر إلى الناس من حيث النسب، ولا من حيث الحسب، ولا من حيث المال، ولا من حيث الجمال، و إنما ينظر سبحانه إلى إلا عمال، فاكرم الناس عنده اتقاهم له، و لهذا يمد أهل التقوى بما يمدهم به من الكرامات الظاهرة أو الباطنة، لانهم هم اكرم خلقه عنده، ففي هذا حث علي تقوي الله عز وجل، وانه كلما كان الإنسان اتقي لله فهو اكرم عنده، ولكن الصحابة لا يريدون بهذا السؤال الأكرم عند الله! (( قالوا: لسنا عن هذا نسألك)) ثم ذكر لهم إن اكرم الخلق يوسف ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله، فهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فانه_ عليه الصلات والسلام_ كان نبيا من سلالة الأنبياء، فكان من اكرم الخلق. (( قالوا: لسنا عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ )) معادن العرب يعني أصولهم وأنسابهم! (( خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) يعني إن اكرم الناس من حيث النسب والمعادن والأصول، هم الخيار في الجاهلية، لكن بشرط إذا فقهوا. فمثلا بنو هاشم من المعروف هم خيار قريش في الإسلام، لكن بشرط إن يفقهوا في دين الله، وان يتعلموا من دين الله، فان لم يكونوا فقهاء فانهم_ وان كانوا من خيار العرب معدنا_ فانهم ليسو اكرم الخلق عند الله، وليسو خيار الخلق. ففي هذا دليل علي إن الإنسان يشرفه بنسبه، لكن بشرط إن يكون ليه فقه في دينه، ولا شك إن النسب له اثر، ولهذا كان بنو هاشم أطيب الناس و أشرفهم نسبا، ومن ثم كان رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي هو اشرف الخلق ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)(الأنعام: من الآية124)، فلولا إن هذا البطن من بني آدم اشرف البطون، ما كان فيه النبي صلي الله عليه وسلم فلا يبعث الرسول صلي الله عليه وسلم إلا في اشرف البطون واعلي الأنساب، والشاهد من هذا الحديث قول الرسول صلي الله عليه وسلمان اكرم الخلق اتقاهم لله. فإذا كنت تريد إن تكون كريما عند الله وذا منزلة عنده، فعليك بالتقوى، فكلما كان الإنسان لله اتقي كان عنده اكرم. أسال الله إن يجعلني وإياكم من المتقين. 70_ الثاني: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( إن الدنيا حلوة خضرة، وان الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فان أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء))([10]) رواه مسلم. الشرح هذا الحديث ساقه المؤلف_ رحمه الله_ لما فيه من أمر النبي صلي الله عليه وسلم بالتقوى، بعد إن ذكر حال الدنيا فقال: (( إن الدنيا حلوة خضرة)) حلوة في المذاق خضرة في المراي، والشيء إذا كان خضرا حلوا فان العين تطلبه أولا، ثم تطلبه النفس ثانيا، والشيء إذا اجتمع فيه طلب العين وطلب النفس، فانه يوشك للإنسان إن يقع فيه. فالدنيا حلوة في مذاقها، خضرة في مراها، فيغتر الإنسان بها وينهمك فيها ويجعلها اكبر همه، ولكن النبي صلي الله عليه وسلم بين إن الله_ تعالى_ مستخلفنا فيها فينظر كيف نعمل، فقال: (( إن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون)) هل تقومون بطاعته، وتنهون النفس عن الهوى، وتقومون بما أوجب الله عليكم، ولا تغترون بالدنيا، أو إن الأمر بالعكس؟ ولهذا قال: (( فاتقوا الدنيا)) أي: قوموا بما أمركم به، واتركوا ما نهاكم عنه، ولا تغرنكم حلاوة الدنيا ونضرتها. كما قال تعالى: ( فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)(لقمان: من الآية33). ثم قال: (( فاتقوا الدنيا واتقوا النساء))، أي: احذ روهن وهذا يشمل الحذر من المرأة في كيدها مع زوجها، ويشمل أيضا الحذر من النساء وفتنتهن، ولهذا قال: (( فان أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)). فافتتنوا في النساء، فضلوا وأضلوا_ والعياذ بالله_ ولذلك نجد أعداءنا وأعداء ديننا_ أعداء شريعة الله عز وجل_ يركزون اليوم علي مسالة النساء، وتبرجهن، واختلاطهن بالرجال، ومشاركتهن للرجال في الأعمال، حتى يصبح الناس كأنهم الحمير، لا يهمهم إلا بطونهم و فروجهم والعياذ بالله، وتصبح النساء وكأنهن دمي، أي صور، لا يهتم الناس إلا بشكل المرأة، كيف يزينوها، وكيف يجملونها، وكيف يأتون لها بالمجملات والمحسنات، وما يتعلق بالشعر، وما يتعلق بالجلد، ونتف الشعر، والساق، والذراع، والوجه، وكل شئ، حتى يجعلوا أكبرهم النساء إن تكون المرأة كالصورة من البلاستيك. لا يهمها عبادة ولا يهمها أولاد. ثم إن