الزكاة
( 1 ) تعريفها : الزكاة اسم لما يخرجه الانسان من حق الله تعالى إلى الفقراء . وسميت زكاة لما يكون فيها من رجاء البركة ، وتزكية النفس وتنميتها بالخيرات . فإنها مأخوذة من الزكاة ، وهو النماء والطهارة والبركة . قال الله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) ( 1 ) . وهي أحد أركان الاسلام الخمسة ، وقرنت بالصلاة في اثنتين وثمانين آية . وقد فرضها الله تعالى بكتابه ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع أمته .
1 - روى الجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن ( 2 ) قال : ( إنك تأتي قوما أهل كتاب ، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم أن الله عزوجل افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة في أموالهم ، تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم ( 3 ) أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) .
2 - وروى الطبراني في الاوسط والصغير ، عن علي كرم الله وجهه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا
( 1 ) سورة التوبة . ( 2 ) أي واليا وقاضيا سنة عشر من الهجرة . ( 3 ) ( كرائم ) نفائس .
إلا بما يصنع أغنياؤهم ( 1 ) ، ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا ، ويعذبهم عذابا أليما ) قال الطبراني : تفرد به ثابت بن محمد الزاهد . قال الحافظ : وثابت : ثقة صدوق . روى عنه البخاري وغيره ، وبقية رواته لا بأس بهم . وكانت فريضة الزكاة بمكة في أول الاسلام مطلقة ، لم يحدد فيها المال الذي تجب فيه ، ولا مقدار ما ينفق منه ، وإنما ترك ذلك لشعور المسلمين وكرمهم . وفي السنة الثانية من الهجرة - على المشهور - فرض مقدارها من كل نوع من أنواع المال ، وبينت بيانا مفصلا .
1 - قال الله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) . أي خذ - أيها الرسول - من أموال المؤمنين صدقة معينة كالزكاة المفروضة ، أو غير معينة ، وهي التطوع ( تطهرهم وتزكيهم بها ) أي تطهرهم بها من دنس البخل والطمع ، والدناءة والقسوة على الفقراء والبائسين ، وما يتصل بذلك من الرذائل ، وتزكي أنفسهم بها . أي تنميها وترفعها بالخيرات والبركات الخلقية والعملية ، حتى تكون بها أهلا للسعادة الدنيوية والاخروية .
2 - وقال الله تعالى : ( إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ، كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ، وبالاسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) . جعل الله أخص صفات الابرار الاحسان ، وأن مظهر إحسانهم يتجلى في القيام من الليل ، والاستغفار في السحر تعبدا لله وتقربا إليه . كما يتجلى في إعطاء الفقير حقه ، رحمة وحنوا عليه .
3 - وقال الله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض
( هامش ) ( 1 ) أي إن الجهد والمشقة من الجوع والعري لا يصيب الفقراء إلا ببخل الاغنياء .
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله ) . أي إن الجماعة التي يباركها الله ويشملها برحمته ، هي الجماعة التي تؤمن بالله ، ويتولى بعضها بعضا بالنصر والحب ، وتأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتصل ما بينها وبين الله بالصلاة ، وتقوي صلاتها ببعضها ، بإيتاء الزكاة . 4 - وقال الله تعالى : ( الذين إن مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور ) . جعل الله إيتاء الزكاة غاية من غايات التمكين في الارض .
1 - وروى الترمذي عن أبي كبشة الانماري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه : ما نقص مال من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا ، ولا فتح عبد باب مسألة ، إلا فتح الله عليه باب فقر ) .
2 - وروى أحمد والترمذي ، وصححه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله عزوجل يقبل الصدقات ويأخذها بيمينه فيربيها لاحدكم كما يربي أحدكم مهرة أو فلوه ، أو فصيله ( 1 ) حتى أن اللقمة لتصير مثل جبل أحد ) . قال وكيع : وتصديق ذلك في كتاب الله قوله : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ) . ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ) .
3 - وروى أحمد - بسند صحيح - عن أنس رضي الله عنه قال : أتى رجل من تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : إني ذو مال كثير ، وذو أهل ومال وحاضرة ( 2 ) . فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك ، وتصل أقرباءك وتعرف حق المسكين والجار والسائل ) .
( 1 ) ( المهر والفلو والفصيل ) : ولد الفرس . ( 2 ) الجماعة تنزل عنده للضيافة . ( . ) / صفحة 330 /
4 - وروى أيضا عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاث أحلف عليهن ، لا يجعل الله من له سهم في الاسلام كمن لا سهم له ، وأسهم الاسلام ثلاثة : الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، ولا يتولى الله عبدا في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة ، ولا يحب رجل قوما إلا جعله الله معهم . والرابعة لو حلفت عليها رجوت أن لا آثم لا يستر الله عبدا في الدنيا إلا ستره يوم القيامة ) .
5 - وروى الطبراني في الاوسط ، عن جابر رضي الله عنه قال ، قال رجل يا رسول الله : أرأيت إن أدى الرجل زكاة ماله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أدى زكاة ماله ذهب عنه شره ) .
6 - وروى البخاري ، ومسلم عن جابر بن عبد الله قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم .
( 3 ) الترهيب من منعها :
1 - قال الله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) .
2 - وقال : ( لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ( 1 ) ما بخلوا به يوم القيامة ) .
1 - وروى أحمد والشيخان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من صاحب كنز ( 2 ) لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فتكوى بها جنباه وجبهته حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ثم يرى سبيله ،
( 1 ) يجعل ما بخلوا به من مال طوقا من نار في أعناقهم . ( 2 ) ( الكنز ) مال وجبت فيه الزكاة فلم تؤد ، وأما ما أخرجت زكاته فليس بكنز مهما كثر
إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح ( 1 ) لها بقاع قرقر ( 2 ) كأوفر ( 3 ) ما كانت ، تسنن ( 4 ) عليه ، كلما مضى ( 5 ) عليه أخراها ردت عليه أولاها ، حتى يحكم الله بين عباده ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ، وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت فتطؤه بأظلافها ( 6 ) ، وتنطحه بقرونها ليس فيها عقصاء ( 7 ) ولا جلحاء ( 8 ) ، كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها ، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله ، إما إلى الجنة ، وإما إلى النار . ) قالوا : فالخيل يا رسول الله ؟ قال : ( الخيل في نواصيها ) ، أو قال : ( الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، الخيل ثلاثة : هي لرجل أجر ، ولرجل ستر ، ولرجل وزر ، فأما التي هي له أجر فالرجل يتخذها في سبيل الله ويعدها له فلا تغيب شيئا في بطونها إلا كتب الله له أجرا ، ولو رعاها في مرج ( 9 ) فما أكلت من شئ إلا كتب الله له بها أجرا ، ولو سقاها من نهر كان له بكل قطرة تغيبها في بطونها أجر ، حتى ذكر الاجر في أبوالها وأرواثها ولو استنت شرفا ( 10 ) أو شرفين كتب له بكل خطوة يخطوها أجر . وأما التي هي له ستر ، فالرجل يتخذها تكرما وتجملا ، لا ينسى حتى ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها . وأما التي هي عليه وزر ، فالذي يتخذها أشرا ( 11 ) وبطرا ( 12 ) وبذخا ( 13 ) ، ورياء الناس فذلك الذي عليه الوزر ) قالوا : فالخمر يا رسول الله ؟ قال : ( ما أنزل الله علي فيها شيئا إلا هذه الاية الجامعة ( 14 ) الفاذة ( 15 ) : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) . ) ( 1 ) ( بطح ) أي بسط ومد . ( 2 ) ( القرقر ) المستوي الواسع من الارض . ( 3 ) كأوفر الخ ) أي كأعظم ما كانت . ( 4 ) ( تستن ) أي تجري . ( 5 ) ( مضى ) أي مر . ( 6 ) الظلف للغنم كالحافر للفرس . ( 7 ) ( عقصاء ) أي ملتوية القرنين . ( 8 ) ( جلحاء ) أي التي لا قرن لها . ( 9 ) ( المرج ) أي المرعى . ( 10 ) ( الشرف ) أي العالي من الارض . ( 11 ) ( الاشر ) أي البطر . ( 12 ) ( البطر ) شدة المرح . ( 13 ) ( وبذخا ) أي تكبرا . ( 14 ) ( الجامعة ) أي المتناولة لكل خير وبر . ( 15 ) ( الفاذة ) أي القليلة النظير . ( . ) / صفحة 332 /
2 - وروى الشيخان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ( 1 ) يوم القيامة شجاعا أقرع ( 2 ) له زبيبتان ( 3 ) يطوقه يوم القيامة ، ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول : أنا كنزك ، أنا مالك ) . ثم تلا هذه الاية : ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الاية . )
3 - وروى ابن ماجه ، والبزار ، والبيهقي - واللفظ له - عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يا معشر المهاجرين خصال خمس - إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن - : لم تظهر الفاحشة ( 4 ) في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الاوجاع ( 5 ) التي لم تكن في أسلافهم ، ولم ينقصوا المكيال والميزان ، إلا أخذوا بالسنين ( 6 ) وشدة المؤنة وجور السلطان . ولم يمنعوا زكاة أموالهم ، إلا منعوا القطر ( 7 ) من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله ، إلا سلط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم ، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ، إلا جعل بأسهم ( 8 ) بينهم ) .
4 - وروى الشيخان عن الاحنف بن قيس قال : ( جلست إلى ملا من قريش فجاء رجل ( 9 ) خشن الشعر والثياب والهيئة حتى قام عليهم فسلم ثم قال : بشر الكانزين برضف ( 10 ) يحمى عليه في نار جهنم ، ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض ( 11 ) كتفه ، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثدية فيتزلزل ) . ثم ولى فجلس إلى سارية . وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو - فقلت : لا أرى القوم إلا قد كرهوا الذي قلت .
( 1 ) ( مثل ) صور . ( 2 ) ( الشجاع ) الذكر من الحيات و ( الاقرع ) الذي ذهب شعره من كثرة السم . ( 3 ) ( زبيبتان ) أي نكتتان سوداوان فوق عينه . ( 4 ) ( الفاحشة ) أي الزنا . ( 5 ) ( الاوجاع ) أي الامراض . ( 6 ) ( السنين ) أي الفقر . ( 7 ) ( القطر ) أي المطر . ( 8 ) ( بأسهم ) أي حربهم . ( 9 ) هو أبو ذر رضي الله عنه . ( 10 ) ( الرضف ) أي الحجارة المحماة . ( 11 ) ( نغض ) أي أعلى الكتف .
قال : إنهم لا يعقلون شيئا ، قال لي خليلي ، قلت : من خليلك ؟ قال : النبي صلى الله عليه وسلم . أتبصر أحدا ؟ قال : فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار ، وأنا أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسلني في حاجة له ، قلت : نعم : قال : ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير ، وإن هؤلاء لا يعقلون ، إنما يجمعون الدنيا ، لا والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى الله عزوجل .
( 4 ) حكم مانعها : الزكاة من الفرائض التي أجمعت عليها الامة واشتهرت شهرة جعلتها من ضروريات الدين ، بحيث لو أنكر وجوبها أحد خرج عن الاسلام ، وقتل كفرا ، إلا إذا كان حديث عهد بالاسلام ، فإنه يعذر لجهله بأحكامه . أما من امتنع عن أدائها - مع اعتقاده وجوبها - فإنه يأثم بامتناعه دون أن يخرجه ذلك عن الاسلام ، وعلى الحاكم أن يأخذها منه قهرا ويعزره ، ولا يأخذ من ماله أزيد منها ، إلا عند أحمد والشافعي في القديم ، فإنه يأخذها منه ، ونصف ماله ، عقوبة له ( 1 ) لما رواه أحمد ، والنسائي ، وأبو داود ، والحاكم ، والبيهقي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( في كل إبل سائمة ، في كل أربعين ابنة لبون لا يفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا ( 2 ) فله أجرها ، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة ( 3 ) من عزمات ربنا تبارك وتعالى لا يحل لال محمد منها شئ ) . وسئل أحمد عن إسناده فقال : صالح الاسناد . وقال الحاكم في بهز : حديثه صحيح ( 4 ) . ولو امتنع قوم عن أدائها - مع اعتقادهم وجوبها ، وكانت لهم قوة ومنعة فإنهم يقاتلون عليها حتى يعطوها . لما رواه البخاري ، ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أمرت أن أقاتل الناس
( 1 ) ويلحق به من أخفى ماله ومنع الزكاة ثم انكشف أمره للحاكم . ( 2 ) ( مؤتجرا ) أي طالبا الاجر . ( 3 ) ( عزمة ) أي حقا من الحقوق الواجبة . ( 4 ) روى البيهقي أن الشافعي قال : هذا الحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث ، ولو ثبت قلنا به .
حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الاسلام وحسابهم على الله ) . ولما رواه الجماعة عن أبي هريرة قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو بكر ، وكفر من كفر من العرب ، فقال عمر : كيف تقاتل الناس ( 1 ) ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله تعالى ؟ فقال : والهل لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا ( 2 ) كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . فقال عمر : فو الله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق . ولفظ مسلم ، وأبي داود ، والترمذي : لو منعوني عقالا ( 3 ) بدل ( عناقا ) .
( 5 ) على من تجب ؟ : تجب الزكاة على المسلم الحر المالك للنصاب ، من أي نوع من أنواع المال الذي تجب فيه الزكاة . ويشترط في النصاب :
1 - أن يكون فاضلا عن الحاجات الضرورية التي لا غنى للمرء عنها ، كالمطعم ، والملبس ، والمسكن ، والمركب ، وآلات الحرفة .
2 - وأن يحول عليه الحول الهجري ، ويعتبر ابتداؤه من يوم ملك النصاب ، ولابد من كماله في الحول كله . فلو نقص أثناء الحول ثم كمل اعتبر ابتداء الحول من يوم كماله . ( 1 ) المراد بهم بنو يربوع وكانوا جمعوا الزكاة وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكر فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك وفرقها فيهم . فهؤلاء هم الذين عرض الخلاف في أمرهم ووقعت الشبهة لعمر في شأنهم مما اقتضى مناظرته لابي بكر واحتجاجه على قتالهم بالحديث . وكان قتاله لهم في أول خلافته سنة إحدى عشرة من الهجرة . ( 2 ) ( عناقا ) أي أنثى المعز التي لم تبلغ سنة . ( 3 ) التحقيق أنه الحبل الذي يعقل به العبير ، وأن الكلام وارد على وجه المبالغة . ( .
قال النووي : مذهبنا ، ومذهب مالك ، وأحمد ، والجمهور : أنه يشترط في المال الذي يجب الزكاة في عينه - ويعتبر فيه الحول ، كالذهب ، والفضة والماشية - وجود النصاب في جميع الحول ، فإن نقص النصاب في لحظة من الحول انقطع الحول . فإن كمل بعد ذلك استؤنف الحول من حين يكمل النصاب . وقال أبو حنيفة : المعتبر وجود النصاب في أول الحول وآخره ، ولا يضر نقصه بينهما ، حتى لو كان معه مائتا درهم ، فتلفت كلها في أثناء الحول إلا درهما ، أو أربعون شاة ، فتلفت في أثناء الحول إلا شاة ، ثم ملك في آخر الحول تمام المائتين وتمام الاربعين ، وجبت الزكاة الجميع ( 1 ) . وهذا الشرط لا يتناول زكاة الزروع والثمار فإنها تجب يوم الحصاد قال الله تعالى ( وآتوا حقه يوم حصاده ( 2 ) ) . وقال العبدري : أموال الزكاة ضربان ، أحدهما ما هو نماء في نفسه ، كالحبوب ، والثمار ، فهذا تجب الزكاة فيه ، لوجوده . والثاني ما يرصد للنماء كالدراهم ، والدنانير ، وعروض التجارة ، والماشية ، فهذا يعتبر فيه الحول ، فلا زكاة في نصابه حتى يحول عليه الحول ، وبه قال الفقهاء كافة ، انتهى ، من المجموع للنووي . ( 1 ) لو باع النصاب في أثناء الحول أو أبدله بغير جنسه انقطع حول الزكاة واستأنف حولا آخر . ( 2 ) سورة الانعام . ( . )
( 6 ) الزكاة في مال الصبي والمجنون : يجب على ولي الصبي والمجنون أن يؤدي الزكاة عنهما من مالهما ، إذا بلغ نصابا . فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من ولي يتيما له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة ( 3 ) ) وإسناده ضعيف ، قال الحافظ : وله شاهد مرسل عند الشافعي . وأكده الشافعي بعموم الاحاديث الصحيحة في إيجاب الزكاة مطلقا . وكانت عائشة رضي الله عنها تخرج زكاة أيتام كانوا في حجرها .
( 3 ) أي الزكاة .
قال الترمذي : اختلف أهل العلم في هذا : فرأى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مال اليتيم زكاة ، منهم عمر ، وعلي ، وعائشة ، وابن عمر ، وبه يقول مالك ، والشافعي وأحمد ، وإسحق . وقالت طائفة : ليس في مال اليتيم زكاة ، وبه يقول سفيان وابن المبارك .
( 7 ) المالك المدين : من كان في يده مال تجب الزكاة فيه - وهو مدين أخرج منه ما يفي بدينه وزكى الباقي ، إن بلغ نصابا ، وإن لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيه ، لانه في هذه الحالة فقير والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا صدقة إلا عن ظهر غني ) رواه أحمد . وذكره البخاري معلقا . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ) . ويستوي في ذلك الدين الذي عليه لله ، أو للعباد ، ففي الحديث : ( فدين الله أحق بالقضاء ) وسيأتي .
( 8 ) من مات وعليه الزكاة : من مات وعليه الزكاة ، فإنها تجب في ماله ( 1 ) وتقدم على الغرماء ( 2 ) والوصية والورثة ، لقول الله تعالى في المواريث : ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) والزكاة دين قائم لله تعالى . فعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ، أفأقضيه عنها ؟ فقال ( لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ ! ) قال : نعم . قال : ( فدين الله أحق أن يقضى ) . رواه الشيخان .
( 1 ) هذا مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور . ( 2 ) ( الغرماء ) أي الدائنون . ( . )
( 9 ) شرط النية في أداء الزكاة : الزكاة عبادة ، فيشترط لصحتها النية ، وذلك أن يقصد المزكي عند أدائها وجه الله ، ويطلب بها ثوابه ويجزم بقلبه أنها الزكاة المفروضة عليه . قال الله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) . وفي الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) .
واشترط مالك والشافعي : النية عند الاداء . وعند أبي حنيفة : أن النية تجب عند الاداء أو عند عزل الواجب . وجوز أحمد تقديمها على الاداء زمنا يسيرا .
( 10 ) أداؤها وقت الوجوب : يجب إخراج الزكاة فورا عند وجوبها ، ويحرم تأخير أدائها عن وقت الوجوب ، إلا إذا لم يتمكن من أدائها فيجوز له التأخير حتى يتمكن . لما رواه أحمد والبخاري عن عقبة بن الحارث قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ، فلما سلم ، قام سريعا فدخل على بعض نسائه . ثم خرج ، ورأى ما في وجوه القوم من تعاجبهم لسرعته ، قال : ( ذكرت وأنا في الصلاة تبرأ ( 1 ) عندنا ، فكرهت أن يمسى أو يبيت عندنا ، فأمرت بقسمته ) ( 2 ) . وروى الشافعي ، والبخاري في التاريخ عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما خالطت الصدقة مالا قط إلا أهلكته ) . رواه الحميدي وزاد ، قال : ( يكون قد وجب عليك في مالك صدقة فلا تخرجها ، فيهلك الحرام الحلال ) .
( 1 ) التبر : قال الجوهري : لا يقال إلا للذهب وقد قاله بعضهم في الفضة . ( 2 ) قال ابن بطال : فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به فإن الافات تعرض والموانع تمنع ، والموت لا يؤمن ، والتسويف غير محمود . ( . )
( 11 ) التعجيل بأدائها : يجوز تعجيل الزكاة وأداؤها قبل الحول ولو لعامين . فعن الزهري : أنه كان لا يرى بأسا أن يعجل زكاته قبل الحول . وسئل الحسن عن رجل أخرج ثلاث سنين ، يجزيه ؟ قال : يجزيه . قال الشوكاني : وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وبه قال الهادي ، والقاسم ، قال المؤيد بالله : وهو أفضل . وقال مالك ، وربيعة ، وسفيان الثوري ، وداود ، وأبو عبيد بن الحارث ، ومن أهل البيت ، الناصر : إنه لا يجزئ حتى يحول الحول . واستدلوا بالاحاديث التي فيها تعلق الوجوب بالحول وقد تقدمت ، وتسليم ذلك لا يضر من قال بصحة التعجيل لان الوجوب متعلق بالحول فلا نزاع ، وإنما النزاع في الاجزاء قبله . انتهى . قال ابن رشد : وسبب الخلاف ، هل هي عبادة أو حق واجب للمساكين ؟ فمن قال : إنها عبادة ، وشبهها بالصلاة ، لم يجز إخراجها قبل الوقت ، ومن شبهها بالحقوق الواجبة المؤجلة ، أجاز إخراجها قبل الاجل على جهة التطوع . وقد احتج الشافعي لرأيه بحديث علي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه ومسلم استسلف صدقة العباس قبل محلها ، انتهى .
( 12 ) الدعاء للمزكي : يستحب الدعاء للمزكي عند أخذ الزكاة منه . لقول الله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل ( 1 ) عليهم إن صلاتك سكن لهم ) . وعن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بصدقة قال : ( اللهم صل عليهم ) . وأن أبي أتاه بصدقة فقال ( اللهم صل على آل أبي أوفى ) . رواه أحمد وغيره . وروى النسائي عن وائل بن حجر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - في رجل بعث بناقة حسنة في الزكاة - : ( اللهم بارك فيه وفي إبله ) . قال الشافعي : السنة للامام - إذا أخذ الصدقة - أن يدعو للمتصدق ، ويقول : آجرك الله فيما أعطيت ، وبارك لك فيما أبقيت .
( 1 ) ( وصل عليهم ) أي أدع لهم .
الاموال التي تجب فيها الزكاة أوجب الاسلام الزكاة في الذهب ، والفضة ، والزروع ، والثمار وعروض التجارة . والسوائم ، والمعدن ، والركاز . زكاة النقدين : الذهب ، والفضة وجوبها : جاء في زكاة الذهب والفضة ، قول الله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) . والزكاة واجبة فيهما ، سواء أكانا نقودا ، أم سبائك ، أم تبرأ ، متى بلغ مقدار المملوك من كل منهما نصابا ، وحال عليه الحول ، وكان فارغا عن الدين ، والحاجات الاصلية . نصاب الذهب ومقدار الواجب : لا شئ في الذهب حتى يبلغ عشرين دينارا ، فإذا بلغ عشرين دينارا ، وحال عليها الحول ، ففيها ربع العشر ، أو نصف دينار ، وما زاد على العشرين دينارا يؤخذ ربع عشره كذلك ، فعن علي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس عليك شئ - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون دينارا ، فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ، ففيها نصف دينار . فما زاد فبحساب ذلك ، وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول . ) رواه أحمد ، وأبو داود ، والبيهقي ، وصححه البخاري ، وحسنه الحافظ . وعن زريق مولى بني فزارة : أن عمر بن عبدالعزز كتب إليه - حين استخلف - : خذ ممن مر بك من تجار المسلمين - فيما يديرون من أموالهم - من كل أربعين دينارا : دينارا ، فما نقص فبحساب ما نقص حتى يبلغ عشرين ، فإن نقصت ثلث دينار فدعها ، لا تأخذ منها شيئا ، واكتب لهم براءة بما تأخذ منهم ، إلى مثلها من الحول ، رواه ابن أبي شيبة . قال مالك في الموطأ : السنة التي لا اختلاف فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين دينارا كما تجب في مائتي درهم . والعشرون دينارا تساوي 28 درهما وزنا بالدرهم المصري . نصاب الفضة ومقدار الواجب : وأما الفضة ، فلا شئ فيها حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها ربع العشر ، وما زاد فبحسابه ، قل أم كثر ، فإنه لا عفو في زكاة النقد بعد بلوغ النصاب . فعن علي رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق ، فهاتوا صدقة الرقة ( الفضة ) من كل أربعين درهما : درهم ، وليس في تسعين ومائة شئ ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم . ) رواه أصحاب السنن . قال الترمذي : سألت البخاري عن هذا الحديث فقال : صحيح . قال : والعمل عند أهل العلم ، ليس فيما دون خمسة أوراق صدقة ، والاوقية أربعون درهما ، وخمس أوراق مائتا درهم . والمائتا درهم 9 / 27 7 ريالا و 5 / 555 قرشا مصريا . ضم النقدين : من ملك من الذهب أقل من نصاب ، ومن الفضة كذلك لا يضم أحدهما إلى الاخر ، ليكمل منهما نصابا ، لانهما جنسان : لا يضم أحدهما إلى الثاني ، كالحال في البقر والغنم ، فلو كان في يده 199 درهما وتسعة عشر دينارا ، لا زكاة عليه .
زكاة الدين : للدين حالتان : 1 - الدين إما أن يكون على معترف به ، باذل له ، وللعلماء في ذلك عدة آراء : ( الرأي الاول ) أن على صاحبه زكاته ، إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيؤدي لما مضى ، وهذا مذهب علي ، والثوري ، وأبي ثور ، والاحناف والحنابلة . ( الرأي الثاني ) أنه يلزمه إخراج الزكاة في الحال ، وإن لم يقبضه ، لانه قادر على أخذه والتصرف فيه ، فلزمه إخراج زكاته كالوديعة ، وهذا مذهب عثمان ، وابن عمر ، وجابر ، وطاووس ، والنخعي ، والحسن ، والزهري ، وقتادة ، والشافعي . ( الرأي الثالث ) أنه لا زكاة فيه ، لانه غير نام فلم تجب زكاته ، كعروض القنية ، وهذا مذهب عكرمة ، ويروى عن عائشة ، وابن عمر . ( الرأي الرابع ) أنه يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة . وهذا مذهب سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح .
2 - وإما أن يكون الدين على معسر ، أو جاحد ، أو مماطل به . فإن كان كذلك ، فقيل : إنه لا تجب فيه الزكاة وهذا قول قتادة ، وإسحاق وأبي ثور ، والحنفية ، لانه غير مقدور على الانتقاع به . وقيل : يزكيه إذا قبضه لما مضى . وهو قول الثوري وأبي عبيد ، لانه مملوك يجوز التصرف فيه ، فوجبت زكاته لما مضى كالدين على الملئ ، وروي عن الشافعي الرأيان . وعن عمر بن عبد العزيز ، والحسن ، والليث ، والاوزاعي ، ومالك : يزكيه إذا قبضه ، لعام واحد . زكاة أوراق البنكنوت والسندات : أوراق البنكنوت والسندات : هي وثائق بديون مضمونة تجب فيها الزكاة ، إذا بلغت أول النصاب 27 ريالا مصريا لانه يمكن دفع قيمتها فضة فورا . زكاة الحلى : اتفق العلماء على أنه لا زكاة في الماس ، والدر ، والياقوت ، واللؤلؤ ، والمرجان ، والزبرجد ، ونحو ذلك من الاحجار الكريمة إلا إذا اتخذت للتجارة ففيها زكاة . واختلفوا في حلي المرأة ، من الذهب والفضة . فذهب إلى وجوب الزكاة فيه ، أبو حنيفة ، وابن حزم ، إذا بلغ نصابا ، استدلالا بما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأتان في أيديهما أساور من ذهب : فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أتحبان أن يسوركما ( 1 ) الله يوم القيامة أساور من نار ؟ ) قالتا : لا ، قال : ( فأديا حق ( 2 ) هذا الذي في أيديكما ) . وعن أسماء بنت يزيد قالت : دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلينا أسورة من ذهب ، فقال لنا : ( أتعطيان زكاته ؟ ) قالت : فقلنا : لا . قال : ( أما تخافان أن يسور كما الله أسورة من نار ؟ أديا زكاته ) قال الهيثمي رواه أحمد وإسناده حسن . وعن عائشة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات ( 3 ) من ورق ( 4 ) ، فقال لي : ما ( هذا يا عائشة ؟ ) فقلت : صنعتهن أتزين لك يا رسول الله ؟ فقال : ( اتؤدين زكاتهن ؟ ) قلت : لا ، أو ما شاء الله ، قال : ( هو حسبك من النار ) ( 5 ) رواه أبو داود ، والدار قطني ، والبيهقي وذهب الائمة الثلاثة إلى أنه لا زكاة في حلى المرأة ، بالغا ما بلغ . فقد روى البيهقي أن جابر بن عبد الله سئل عن الحلي : أفيه زكاة ؟ قال جابر : لا . فقيل : وإن كان يبلغ ألف دينار ؟ فقال جابر : أكثر . وروى البيهقي : أن أسماء بنت أبي بكر كانت تحلي بناتها بالذهب ، ولا تزكيه ، نحوا من خمسين ألفا . وفي الموطأ ، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه : أن عائشة كانت تلي بنات أخيها ، يتامى في حجرها ، لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة ،
( 1 ) ( أن يسوركما ) أي أن يلبسكما . ( 2 ) ( حق هذا ) أي زكاته . ( 3 ) ( فتخات ) أي خواتم . ( 4 ) ( ورق ) أي فضة . ( 5 ) يعني لو لم تعذب في النار إلا من أجل عدم زكاته لكفاها . ( . ) / صفحة 343 /
وفيه أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة . قال الخطابي : الظاهر من الكتاب ( 1 ) يشهد لقول من أوجبها ، والاثر يؤيده ، ومن أسقطها ذهب الى النظر ، ومعه طرف من الاثر . والاحتياط أداؤها . هذا الخلاف بالنسبة للحلي المباح ، فإذا اتخذت المرأة حليا ليس لها اتخاذه - كما إذا اتخذت حلية الرجل ، كحلية السيف - فهو محرم ، وعليها الزكاة ، وكذا الحكم في اتخاذ أواني الذهب والفضة . زكاة صدقة المرأة : ذهب أبو حنيفة إلى أن صداق المرأة لا زكاة فيه ، إلا إذا قبضته ، لانه بدل عما ليس بمال ، فلا تجب فيه الزكاة قبل القبض ، كدين الكتابة . ويشترط بعد قبضه أن يبلغ نصابا ، ويحول عليه الحول ، إلا إذا كان عنها نصاب آخر سوى المهر ، فإنها إذا قبضت من الصداق شيئا ضمته إلى النصاب ، وزكته بحوله . وذهب الشافعي إلى أن المرأة يلزمها زكاة الصداق ، إذا حال عليه الحول ، ويلزمها الاخراج عن جميعه آخر الحول ، وإن كان قبل الدخول ولا يؤثر كونه معرضا للسقوط بالفسخ ، بردة أو غيرها ، أو نصفه بالطلاق . وعند الحنابلة : أن الصداق في الذمة دين للمرأة ، حكمه حكم الديون عندهم ، فإن كان على ملئ ( 2 ) به فالزكاة واجبة فيه ، إذا قبضته أدت لما مضى ، وإن كان على معسر أو جاحد ، فاختيار الخرقي وجوب الزكاة فيه . ولا فرق بين ما قبل الدخول أو بعده . فإن سقط نصفه بطلاق المرأة قبل الدخول ، وأخذت النصف ، فعليها زكاة ما قبضته ، دون ما لم تقبضه . وكذلك لو سقط كل الصداق قبل قبضه ، لانفساخ النكاح بأمر من جهتها ، فليس عليها زكاته . ( 1 ) يشير إلى عموم قول الله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ) الاية . ( 2 ) ( ملئ ) أي غني .
زكاة أجرة الدور المؤجرة : ذهب أبو حنيفة ومالك ، إلى أن المؤجر لا يستحق الاجرة بالعقد ، وإنما يستحقها بانقضاء مدة الاجارة . وبناء على هذا ، فمن أجر دارا لا تجب عليه زكاة أجرتها حتى يقبضها ، ويحول عليها الحول ، وتبلغ نصابا . وذهبت الحنابلة إلى أن المؤجر يملك الاجرة من حين العقد ، وبناء عليه ، فإن من أجر داره تجب الزكاة في أجرتها إذا بلغت نصابا وحال عليها الحول ، فإن المؤجر يملك التصرف في الاجرة بأنواع التصرفات ، وكون الاجارة عرضة للفسخ لا يمنع وجوب الزكاة ، كالصداق قبل الدخول ، ثم إن كان قد قبض الاجرة أخرج الزكاة منها ، وإن كانت دينا فهي كالدين ، معجلا كان أو مؤجلا ( 1 ) . وفي المجموع للنووي : وأما إذا أجر داره أو غيرها بأجرة حالة ، وقبضها ، فيجب عليه زكاتها بلا خلاف .
( 1 ) أي أنه يؤدي زكاتها حين يقبضها لما مضى من حين العقد إن اكن مضى عليها حول أو أكثر . ( . )